القرآن الكريم،ونظريات الإعجـــــاز مقاربـــة لغويـــــة

محمـــد خــــان

محمـــد خــــان مخبر اللسانيات واللّغة العربية جامعة محمد خيضر – بسكرة

Résumé

أُنزِل القرآن الكريم باللسان العربي المبين متحدّيا أساطين البيان أن يأتوا بمثله، فعجزوا ،وأذعنوا له في نهاية الأمر . ولكن العلماء اختلفوا في حقيقة إعجازه : أهو في الصرفة أم في أخبار الأولين؟ أهو في اللفظ أم في المعنى أم في الأسلوب؟

وما هذا البحث إلاّ محاولة لرصد ظاهرة التأليف في مسألة" الإعجاز" ،وذلك بالتركيز على المجال اللغوي؛ لأنّ القرآن الكريم رسالة لغوية كما هو رسالـــة دينيـــة ومــازال بــاب البحث مفتــوحا في قضية الإعجــاز.

بعث الله الأنبياءَ بأديان تدعمها معجزات ، تكلّ قوى البشر دونهــا، فما من رسول إلّا كانت له معجزة ارتبطت به في الزمان والمكان ، وانقطعت بعد انتشار رسالته، وانقضاء أجله. وإذا كان الأمر كذلك، فما هي معجزة الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم؟

لقد أَنزل الله القرآن الكريم على الرسول الأعظم (ص) بلسان عربّي مبين. فكان نسيجه اللغوي موافقا لنظام اللغة العربية؛ ولذلك ما اعترض العرب عليه بسبب غرابة ألفاظه أو غموض معانيه ،وما طلبوا تفسير آية منه أو تحليل خطابه إنما عارضوه ؛لأنه أبطل معتقداتهم ، وسفّه آلهتهم ، وبعض عاداتهم وأخلاقهم التي يأتونها نكرا ، فأسقط في أيديهم ، وحزّ في نفوسهم أن يذعنوا له بالطّاعة . فيحتويهم نظام جديد في الحياة ، يفقدون فيه مكانتهم التي هم عليها، وربّما تأمّر عليهم من كان دونهم في جاهليّتهم. إنّه حدث عظيم لم يدّخروا جهدا في محاربته ، ولم يعدموا وسيلة إلا تآمروا بها.......الخ

Références

1. هذه قصة مشهورة رواها كثير من المؤلفين ، وممّا تفطّن إليه هذا الرّجل قوله :
( فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزّةُ عزّكم...)
ينظر ، سيرة ابن هشام ، ج1 ، من 99 ونهاية الأرب للنويري ج16 ، ص 210 .
2. محمود السّيد شيخون ، الإعجاز في نظم القرآن، ص8 ، 9.
3. م، ن ، ص9 ، 10 والبحر المحيط ، ج3 ، ص 511 ، ج4 ، ص 181 .
4. مصطفى صادق الرّافعي ، إعجاز القرآن ، ص 175. المذق : مزج اللّبن بالماء . والمجع: اللّبن يشرب على التّمر.
5. م ، ن ، ص175.
6. مجاز القرآن ، ص8.
7. لو أردت أن تنقل قوله تعالى : ( وإمّا تخافنّ من قوم خيانة فآنبذ إليهم على سواء).
الأنفال / 53 . لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدّية لِلمعْنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعتها ، وتصل مقطوعتَها ، وتظهر مستورها ، فتقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد، فخفت منهم خيانة ونقضا ، فلعلمهم أنّك قد نقضت ما شرطت لهم ، وآذنهم الحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنّقض على السّواء . تأويل مشكل القرآن ، ص21.
8. تكلم أبو زيد البلخي في القرآن بكلام لطيف ودقيق ، وكان فاضلا يذهب في رأي الفلسفة، معجم الأدباء ، 1، ص 148.
9. الرّافعي ، إعجاز القرآن ، ص155.
10. الأشعري ، مقالات الإسلاميّين ، ج1 ، ص225.
11. م، ن ،ص144.
12. حجج النبوّة ، ص 148.
13. الجاحظ ، الحيوان ، ج1 ، ص 168.
14. الرسالة الشافية ، ص 147.
15. م، ن ص 148.
16. الرّافعي ، إعجاز القرآن ، ص 147 ، 148.
17. يطلق المستشرقون على أخبار الأوليين " نظرية المصادر المحتملة " زاعمين أنّ رسول الإسلام (ص) فد استقى معلوماته من البشر . ينظر الدكتور أحمد حجازي السقّاء إعجاز القرآن ، ص 87.
18. من ذلك المؤتمر القانوني الذي عقد في " لاهاي" 1938 فقد قرّر في نهايته اعتبار الشّريعة الإسلاميّة مصدرا من مصادر التّشريع العامّ . ومن ذلك مؤتمر المحامين الدّولي في "لاهاي" الذي عقد في السّنة نفسها . وشاركت فيه 53 دولة ، فقد قرّر المؤتمرون في نهايته تبنّي الدّراسة المقارنة للتّشريع الإسلامي العظيم. ومن ذلك المؤتمر الحقوقي الذي عقد في باريس 1951 وقرّر أنّ الفقه الإسلامي ذو قيمة تشريعيّة ، وهو يستجيب بمذاهبه إلى جميع مطالب الحياة الحديثة. ينظر الدكتور محمد السيّد شيخون ، الإعجاز في نظم القرآن ، ص 23، 24 . وفي المؤتمر الطبّي بعنّابة عام 1993 الخاص بمرض السّيدا طلب المؤتمرون حكم الشريعة الإسلاميّة في المخالطة الجنسيّة.
19. قال فيه الوليد بن مغيرة : "إنّ لقوله لَحلاوة ، وإنّ عليه لطلاءة، وإنّ أعلاه لمثمر ، وأسفله لمغدق ، وإنّه ليعلو ، ولا يُعلى عليه ". د. بدران أبو العينين بدران ، دراسات حول القرآن ، ص52.
20. ونقل السّيوطي أنّه قد اختلف في القدر المعجز من القرآن ، فذهب بعض المعتزلة إلى أنّه متعلّق بجميع القرآن . وقال القاضي : يتعلّق الإعجاز بسورة طويلة كانت أو قصيرة استنادا إلى ظاهر قوله تعالى : "فاتوا بسورة...".
21. الخطابي ( 319-388هـ) هو محمّد بن محمّد بن إبراهيم الخطابي البستي ( بست من بلاد كابل) أديب لغوي ومحدّث ، كتب كثيرا ، وبخاصّة في الفقه والحديث تتلمذ على فقهاء الشّافعية . رحل في طلب العلم إلى البصرة وبغداد والحجاز ، وأقام بمكّة زمنا ، ثمّ عاد إلى خراسان ، ومكث في نيسابور ، وانتهى به المطاف إلى سبت مسقط رأسه حيث توفّي . وطُبع كتابه هذا تحت عنوان " ثلاث رسائل في إعجاز القرآن" تحقيق خلف الله وزغلول سلام ، طبعة دار المعارف.
22. ثلاث رسائل في الإعجاز ، ص 14 ، 27.
23. ويكثر من ذكر الفروق بين الألفاظ مثلا : العلم ضدّه الجهل، والمعرفة ضدّها النّكرة، والحمد ضدّه الذمّ، والشّكر ضدّه الكفر. ويقال قعد الرّجل عن قيام، وجلس عن ضجعة وسمعت منك وعنك حديث. ينظر ثلاث رسائل في الإعجاز ص 29، 30. وقريبا منها دراسة الدّكتورة عائشة عبد الرحمان المتعلّقة بالتّفسير البياني للقرآن ، وهو منهج أستاذها أمين الخوني.
24. الرّماني ( 296 – 384 هــ) هو أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله ، ولد ببغداد ، وتلقّى العلم عن أعلام العربيّة منهم الزجاج (316) وابن السرّاج (316) وابن دريد ( 321) وأخذ علم الكلام ومذهب الاعتزال على شيخه ابن الأخشيد ، وهو أبو بكر بن علي (326هـ) وكان الرّماني ذكيّا عالما زاهدا ورعًا مولعًا باللّغة والنّحو ، ومن علماء الاعتزال . وطبع كتابه ضمن ثلاث رسائل في الإعجاز . طبعة دار المعارف .
25. ثلاث رسائل في الإعجاز ، ص 75.
26. 27 . م ، ن ص 78.
28. هو محمّد ( 340- 403) بن الطيّب بن محمّد بن جعفر القاضي أبو بكر الباقلاني ، ولد بالبصرة، وتلقّى العلوم بها ، وانتقل إلى بغداد ، وكان تلميذا مخلصا للأشعري،
وإليه انتهت رياسة المالكيّين في وقته . وقد اتّخذ الباقلاني علم النّظر والكلام أداة للدّفاع عن عقيدته ، ومذهب أهل السنّة عامّة ضدّ الطّاعنين والمنحرفين من الحشويّة والرّافضة ، وأهل الدّيانات. ودافع عن القرآن الكريم بكتابين : إعجاز القرآن ، الانتصار لنقل القرآن، وطبع كتاب إعجاز القرآن مرارًا . يُنظر ، نكت الانتصار لنقل القرآن، تحقيق محمّد زغلول سلام 1971.
29. الباقلاني ، التّمهيد ، 126.
30. الباقلاني ، إعجاز القرآن ، ص 35.
31. م ، ن ص 36.
32. م ، ن ص 36.
33. م ، ن ص 37.
34. م ، ن ، ص 38.
35. م ، ن ، ص 42.
36. م ، ن ص 42.
37. لبعض المعاصرين نظريّة في الإعجاز العددي ، عدد السور وعدد الآيات وعدد الحروف وكلّ مجموعة من الأعداد الحسابيّة تنقسم على العدد (19).
38. الباقلاني ، إعجاز القرآن ، ص 46.
39. الباقلاني ، نكت الانتصار لنقل القرآن ، ص 26.
40. نشأ هذا النوع من النقد في ظلّ الدّراسات القرآنية ، ويمثّله جماعة منهم الآمدي ، والقاضي الجرجاني والمؤلف... ويأخذ هذا المنهج– من حيث الشّكل – بالتّحليل الدّقيق لبعض الآثار الفنيّة الرّائعة عند العرب كخطب النّبي والصّحابة وفصحاء العرب ، ويختار معلّقة امرئ القيس وينتهي من تلك الدّراسة النّقدية إلى مجموعة من الأصول الفنّية في النّقد . نكت الانتصار ، ص 27.
41. هو أبو بكر عبد القاهر الجرجاني (...471هــ) كان شافعيّا ، ومتكلّما شعريّا ، أخذ الأدب والنّقد على القاضي الجرجاني ، والنّحو على أبي الحسن محمّد ( ابن أخت أبي علي الفارسي) ، لغوي وأديب وناثر ، ومن مؤلّفاته الرّسالة الشّافية في الإعجاز، والعوامل المائة في النّحو ، واشتهر بدلائل الإعجاز وأسرار البلاغة . وقد تفوّق في إبراز فكرة النّظم.
42. الجرجاني ، الرّسالة الثّانية في الإعجاز ، ص 120.
43. م، ن ، ص 133 ، 134.
44. الجرجاني ، دلائل الإعجاز ،ص 36، 37.
45. م، ن ، ص 64 ، 282 ، 300 ، 301 ، 404.
46. م ، س ، ص 196 ، 198.
47. الدّلائل ،ص 306.
48. د. إحسانعبّاس ، تاريخ النّقد الأدبي عند العرب ، ص 99.
49. م ، س ، ص 426 " الاختيار ناتج على أساس قاعدة التّماثل والمشابهة ، والمغايرة والتّرادف والطّباق "' ينظر رومان ياكبسون ، قضايا الشّعريّة ترجمة محمّد الوليّ ومبارك حنون ، دار تويقال ، للنّشر المغرب ، ط 881 ، ص 33.
50. الدّلائل ، ص 65.