الاستعمال اللغوي لأضرب الخبر في مفتاح العلوم للسكاكي مقاربة تداولية

  • باديس لهويمل جامعة محمد خيضر بسكرة

Résumé

لكتاب "مفتاح العلوم" للسّكاكي(ت626هـ) مكانة مهمة في التراث البلاغي العربي، نظرا لما قدّمه من جمع وتنظيم وتبويب لمباحث البلاغة العربية، وضبط لمصطلحاتها بعدما كانت مفرقة ومشتتة المسائل والقضايا، لا يضبطها ضابط، ولا يحدها شيء، ويعدّ "مفتاح العلوم" غرّة مصنّفات السكاكي وأهمّها، لكونه يضمّ جملة من علوم اللغة العربيّة أبرزها علم الأصوات والصرف والنحو والبلاغة في كتاب واحد، حتى أن بعض الدّارسين عدّه قمة ما وصل إليه الدّرس البلاغي باعتباره أكمل نص بلاغي وصل إلينا يحوي خلاصة علوم البلاغة حتىّ عصره، وهو ما جعلنا ننطلق منه في سبيل دراسة البعد التداولي لأضرب الخبر ما دامت البلاغة اكتملت فيه وما زالت تدرّس في مدارسنا بطريقة السكاكي نفسه.

     إن أضرب الخبر تمثل مبحثا مهما من مباحث علم المعاني في البلاغة العربية؛ حيث إن الكلام أو تراكيب اللغة العربية بصفة عامة لا تخلو من كونها تسلك أحد المسلكين إما خبرا وإمّا إنشاء، والخبر بحسب ما استقر عليه حذاق اللغة العربية وعلماؤها، هو كل كلام يحتمل الصدق أو الكذب فيصحّ أن يقال لقائله إنه صادق أو كاذب في مقابل الإنشاء الذي لا يصح أن يحكم عليه بالصدق أو الكذب([i]).

 

   ولكل من الخبر والإنشاء مباحث خاصة به وفروع، لا داعي لتفصيل الحديث فيها لكونها ليست مدار طرحنا  في هذه الدراسة، ولنكتف بالخوض في مبحث من مسائل الجملة الخبرية التي عرضها أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر السكاكي (ت626هـ) في مفتاحه، وتحديدا "أضرب الخبر"؛ حيث اتفق البلاغيون قديما وحديثا على أنها ثلاثة (ابتدائي، وطلبي، وإنكاري)، وتختلف في درجة التأكيد باختلاف حال المخاطب ومقامه من الكلام الموجّه إليه فقد يكون خالي الذّهن مما يلقى إليه فلا يحتاج المتكلم إلى تأكيد كلامه ويسمى الضرب هنا ابتدائيا، وقد يكون شاكا ومترددا في ما وجّه له طالبا الوصول إلى اليقين فيؤكّد له الكلام بمؤكّد ويسمى الضرب طلبيا، وقد يكون منكرا للكلام ومعتقدا بخلافه، فيحتاج إلى أكثر من مؤكّد حتى يقتنع ويسمى الضرب إنكاريا ولذلك يحتاج المتلفظ بالخطاب إلى تأكيد كلامه بحسب درجة قبول وإنكار المُخاطَب لما يُلقى إليه.  


([i])ينظر: السكاكي ، مفتاح العلوم، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2000، ص252 وما بعدها، وأحمد مطلوب ،حسن البصير: البلاغة والتطبيق، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بغداد، ط2، 1990، ص106.

##submission.authorBiography##

##submission.authorWithAffiliation##
مـخبـرالـلســانيــات واللغــة العـــربية

Références

( ) ينظر: السكاكي ، مفتاح العلوم، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2000، ص252 وما بعدها، وأحمد مطلوب ،حسن البصير: البلاغة والتطبيق، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بغداد، ط2، 1990، ص106.
( ) ينظر: مفتاح العلوم، ص259.
( ) محمود أحمد نحلة: آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر،دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، (دط)، 2002،ص108.
( ) شكري المبخوت : الاستدلال البلاغي، دار المعرفة للنشر، كلية الآداي والفنون والانسانيات، جامعة منوبة، تونس، ط1 2006، ص22.
( ) محمود أحمد نحلة: آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، ص68.
( ) ينظر: نفسه، ص108.
( ) مفتاح العلوم، ص248.
( ) يعدّ الجواب البلاغي للمبرّد على سؤال الكندي دليلا واضحا على مشروعية القراءة التداولية للفكر البلاغي العربي، وتأكيدا صارخا لوجود مظاهر ومبادئ تكاد تكون نفسها التي= =يعنى بها الدّرس التداولي الحديث على غرار القصد والإفادة ومطابقة الكلام لمقتضى الحال والمقام؛ فأمثلة الكندي التي رأى فيها تكرارا يحمل كلّ منها مظاهر تداولية كشفها له أبو العبّاس، وتتعلّق بسياق استعمال كل مثال. ينظر: صالح بن غرم الله بن زياد، البلاغة العربية من حيث هي موقف تلق(إستراتيجية القصد والغرض والقارئ القياسي) المجلة العربية للعلوم الإنسانية، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية الكويت، العدد91، 2000، ص46، 47.
( ) سيد هاشم الطّبطبائي: نظرية الأفعال الكلامية بين فلاسفة اللغة المعاصرين والبلاغيين العرب، مطبوعات جامعة الكويت، الكويت،(دط)، 1994، ص17.
( ) ينظر: مسعود صحراوي: التّداولية عند العلماء العرب، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ط1،2005، ص95.
( ) القصد بمصطلح الإخبار ما قصد به السّكاكي ومن قَبلَه من نحاتنا وبلاغيّينا "الخبر"، لأنّنا نرى فيه مثلما أشار الأستاذ المشرف"صلاح الدين ملاوي" دقة أكثر في مقابلته بـ "الإنشاء"، ولكي يستجيب أكثر لمقتضيات الطّرح التّداولي ذلك أنّ مصطلح الخبر صفة للكلام قد توهم الباحث بكونها مفصولة عن منشئها فلا يحيل على المتكلم، بينما نجد مصطلح الإخبار يتّصل به مباشرة ويرتكز على مفهوم الفعل الكلامي؛ ينظر: صلاح الدين ملاوي:"نظرية الأفعال الكلامية في البلاغة العربية" مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة بسكرة، دار الهدى، الجزائر، العدد4، 2009، ص39.
( ) مفتاح العلوم، ص 258.
( ) ديك الجن: ديوان ديك الجن الحمصي، حققه وأعدّ تكملته: أحمد مطلوب، وعبد الله الجبوري، نشر وتوزيع دار الثقافة، بيروت، لبنان،(دط)،1964، ص194؛ وديوان ديك الجن، تحقيق ودراسة مظهر الحجي، منشورات اتحد الكتاب العرب، دمشق، سوريا، 2004، ص276؛ والسّكاكي: مفتاح العلوم، ص258.
( ) الكهف:46.
( ) السّكاكي: مفتاح العلوم، ص258..
( ) نفسه، ص258، 259.
( ) يس: 14،16.
( ) ينظر: مفتاح بن عروس: "وجهة الخطاب في سورة المؤمنين"، مجلة اللغة والأدب، قسم اللّغة العربية وآدابها، جامعة الجزائر، العدد17، جانفي 2006، ص149.
( ) نفسه، ص150.
( ) مفتاح العلوم: ص254، وص258.
( ) ينظر: مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص96، 97.
( ) بوشعيب شدّاق: "مقصديّة العمل الأدبي: بين التّقييد والانفتاح"، مجلّة علامات،النّادي الأدبي الثّقافي،جدة،السعودية، الجزء:54، المجلد:14، ديسمبر2004،ص449. وتتعدّد دلالات القصد وتتنوّع بحسب مجال تناولها؛ فتدلّ في المجال الفلسفي على توجه النّفس إلى الشيء وانبعاثها نحوه(النّية)، وقد تدلّ على التّوجه الإرادي فتحيل إمّا على المشروع (العزم)،
وإماّ على الهدف(الغاية التي من أجلها حصل التوجه) أو التوجّه الذّهني، وتدلّ القصدية في مجال الدراسات اللّسانية والأدبية على معان متعدّدة تصنّف إجرائيا إلى صنفين: أ-قصديّة مقيّدة لها علة واحدة تشترطها وتنظّم اتجاهها، وقد تكون العلة غائية مستقبليّة، أو صادرة عن الوعي والإدراك، ينتج عن الأولى ما يسمّى بالمقصديّة المفهوميّةintentionnalité conceptuelle ، وعن الثانية المقصديّة الخطابيّة discursive intentionnalité، التي تتنوّع إلى قصدية لسانية وقصدية تواصلية وقصدية تداولية وقصدية حوارية. ب-وقصدية متعدّدة تتجاوز حدود الوعي الذاتي لتنفتح على شروط أخرى فاعلة و مؤثرة في الخطاب نحو الوعي الجماعي أو التاريخي أو اللاوعي، ومن أبرز الباحثين فيها "ج.سيرلJ.Searle الذي يقسّمها إلى: مقصدية صادرة عن الوعي، ومقصدية صادرة عن اللاوعي، وعلى أساس هذه البنية المزدوجة لمفهوم المقصديّة درس السّلوك اللغوي والأفعال الكلاميّة.(ينظر: نفسه، ص446-453.)
( ) مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص186.
( ) مفتاح العلوم، ص259.
( ) صلاح الدين ملاوي: "نظرية الأفعال الكلامية في البلاغة العربية"، ص39،40.
( ) جون أوستين: نظرية أفعال الكلام العامّة، كيف ننجز الأشياء بالكلام، ترجمة: عبد القادر قنيني، أفريقيا الشرق، (دط)، 1991، ص70،71.
( )جون أوستين: نظرية أفعال الكلام العامّة، كيف ننجز الأشياء بالكلام، ترجمة: عبد القادر قنيني، أفريقيا الشرق، (دط)، 1991، ، ص156.
( ) صلاح الدين ملاوي: "نظرية الأفعال الكلامية في البلاغة العربية"، ص40.
( ) نفسه ، ص41.
Comment citer
لهويمل, باديس. الاستعمال اللغوي لأضرب الخبر في مفتاح العلوم للسكاكي مقاربة تداولية. حوليات المخبر, [S.l.], n. 01, mai 2016. Disponible à l'adresse : >https://revues.univ-biskra.dz/index.php/HAWLIYATELMAKHBAR/article/view/1571>. Date de consultation : 22 déc. 2024