المترجمون العرب والسّرديّات الحديثة كتاب "خطاب الحكاية" نموذجا
Résumé
كانت الترجمة حلقة وصل ربطت بين الفكر الغربي ونظيره العربي على مستوى الإبداع أوّلا ثم على مستوى النقد منذ عصر النهضة، فقد ظلّ النقد العربي خلال البوادر الروائية الأولى[i] وعلى مدى طويل، أسيرَ الرؤى التقليدية التي كان أصحابها يعملون على تحليل الأعمال الأدبية ضمن سياقات إنتاجها المتعددة، فلا يهتمون بالنص الأدبي بقدر اِهتمامهم بالظروف الحافة بإنتاجه، مما يجعلهم يقفون عاجزين عن العبور إلى كونه الداخلي. ولكن منذ أواخر الستينات ساد الفكرَ العربيَّ إحساسٌ بضرورة تجديد أدواته النقدية. وقد كان هذا الإحساس ناتجا عن بداية اِطلاع النقاد العرب على ما وضعه النقد الغربي من مناهج في تحليل الأدب. وكانت الترجمة[ii] سبيلا من السبل التي سمحت بهذا الاِطلاع بعد أن كانت مقصورة على الآثار الإبداعية الروائية، والقصصية عامة[iii].
وقد اِرتكزت حركة ترجمة الأعمال النقدية عند ظهورها على آثار النقاد البنيويين. ومن بين أهم الأعمال التي كان لها تأثير في النقد الأدبي، كتاب « FiguresIII »لـجيرار جينيت « Gérard Genette »[iv]، قام محمد معتصم وعبد الجليل الأزدي وعمر حلى وهم نخبة من النقاد المغاربة، بترجمة الجزء الأكبر منه، ذاك الذي يحمل عنوان « discours du récit essai de méthode » ، فكان كتاب "خطاب الحكاية بحث في المنهج".
وقد دل هذا الكتاب"خطاب الحكاية" على جهد كبير بذله المترجم قبل الترجمة وخلالها، فقد صُدِّر الكتابُ بمقدمة عرَّف فيها بحياة مارسيل بروست (Marcel Proust)، كاتب رواية "بحثا عن الزمن الضائع" (A la recherche du temps perdu) ، ثم بالرواية وأقسامها، كما عرّف بعد ذلك بجيرار جينيت، وبكتبه التي وقعت ترجمتها، ثم بيَّن قيمة هذا الباحث في النقد العربيّ. وتعرَّض بعد ذلك إلى ما سماه "مشكلات الترجمة وحلولها" وبيّن منهجه في اِختيار المصطلحات، فقد حاول تجنب ما سماه تعريبا وضرب على ذلك مثال اِعتماده عبارة "سيرة ذاتية" عوضا عن "أوتوبيوغرافيا"، وما سماه تهجينا، باِعتماده"حكاية تالية"عوضا عن "ميتاحكائي"، وما سماه إلصاقا اِعتبره لا يمت بصلة إلى العربية، باِعتماده "السيري ذاتي" عوضا عن "السيرذاتي"، كما بيّن أنه اِجتهد في إيجاد ترجمات لبعض المصطلحات برجوعه إلى قسم البديع في كتب البلاغة العربية فاِقتبس منها مصطلحات من قبيل "الاِنصراف" و"الاِستخدام" و"الزيادة" و"النقصان". وقد اِعتبر اِجتهاده أصوب لغويا من اِعتماد الترجمات المذكورة.
وتظهر قيمة هذا الكتاب أيضا في عمل المترجم، خلال ترجمته، على بيان الأجناس التي تنتمي إليها الآثار التي أحال عليها جينيت في كتابه، وهي عبارة عن "ملاحم وروايات وأقاصيص وقصائد". وهو عمل يدل على جهد وعناية كبيرين. أما بالنسبة إلى الترجمة باِعتبارها عملا يقوم على نقل النص من لغته الأم إلى لغة جديدة هي العربية، فقد بدا المترجم مدركا لخفايا اللغة الفرنسية مما جعله قادرا على فهم تراكيبها، رغم اِحتواء الكتاب الأصلي على تراكيبَ خاصة لا يفهمها إلا من تمرّس بهذه اللغة. أدرك المترجم الفوارق بين التراكيب الفرنسية ونظيرتها العربية فلم يأل جهدا في مراعاتها وذلك بسعيه إلى تقديم بعض العبارات أو تأخيرها عندما اِقتضي الأمر ذلك. ولا شك في أن هذه القدرة تعود إلى ثقافة المغاربة الفرنكوفونية واِتصال المترجم بفرنسا في إطار الدراسة.
وقد لقيت هذه الترجمة المغربية صدى عند بعض الباحثين في بلادنا واِعتمدها العديد منهم للتعرف على المنهج الإنشائي لجيرار جينيت بينما وقف منها بعضهم موقف المحترز لما وجد فيها من مآخذ جعلت المنهج محاطا بالغموض.
ويندرج هذا العمل في إطار نقد كتاب "خطاب الحكاية" اِنطلاقا من أن هذا الجهد الذي بذله المترجم في تقريب الكتاب من القارئ العربي لا يمنع من أن تبقى الترجمة، كأي عمل أدبي يستعمل اللغة، قابلةً للنقد والتعديل. واِنطلاقا من هذا أقمنا نقدنا للكتاب من جهة ما فيه من هنات شكلية ومضمونية.
[i] اُنظر: محمد الباردي، مراحل الرواية المصرية، الرواية العربية والحداثة، دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1، 1993.
[ii] اُنظر: توفيق الزيدي، أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث من خلال بعض نماذجه ، الدار العربية للكتاب، 1984، صص 18 ـ 38.
[iii] اُنظر: أنجيل بطرس سمعان، "نماذج من الرواية الإنجليزية المترجمة إلى العربية"، وليلى عنان،"الرواية الفرنسية بين الأصل والترجمة".فصول، المجلد الثالث، العدد الرابع، الجزء الثاني ، يوليو أغسطس سبتمبر، 1983،.
[iv] Gérard Genette, Figures III, Cérés 1002, Tunis .
Références
Figures III, Gérard Genette, Cérés, Tunis, 1002.
ـ الكتاب المترجم: خطاب الحكاية بحث في المنهج، محمد معتصم وعبد الجليل الأزدي وعمر الحلي.
الباردي (محمد): الرواية العربية والحداثة، دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1، 1993.
بطرس سمعان (أنجيل): نماذج من الرواية الإنجليزية المترجمة إلى العربية، فصول، المجلد الثالث، العدد الرابع، يوليو أغسطس، الجزء الثاني، سبتمبر، 1983.
جاد (عزت): المصطلح النقدي المعاصر بين المصريين والمغاربة، فصول، العدد 62، صيف وخريف 2003.
الخبو (محمد): قراءات في القصص، مكتبة علاء الدين، صفاقس، تونس، 2002.
الزيدي (توفيق): أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث من خلال بعض نماذجه ، الدار العربية للكتاب، 1984.
عنان (ليلى): الرواية الفرنسية بين الأصل والترجمة، فصول، المجلد الثالث، العدد الرابع، يوليو أغسطس، الجزء الثاني، سبتمبر، 1983.
المسدي (عبد السلام): المصطلح النقدي وآليات صياغته، مجلة علامات، الجزء الثامن، المجلد الثاني عشر، يونية، 1993.