تداخل المستويات اللغوية في الرواية الجزائرية المعاصرة قراءة نقدية في رواية "جذور وأجنحة" لـ : سليم بتقة
Résumé
اللغة هي عماد كل أمة والمرآة العاكسة لصورة الحضارات المتعددة. بل نستطيع القول بأنها سجل تاريخي تحتفي به كل شعوب العالم وتعتز به؛ لأنه الحامل والحافظ لثقافاتها وعاداتها وتقاليدها، لذلك أصبحت اللغة الوسيلة الأولى لتطور الأمم أواندثارها، وهذا الخيار يتوقف على مدى حماية كل أمة للغتها.
وفي عصر فرض وتعزيز لفكرة المركزية الغربية أصبحت اللغة هي المقصد الأول للصراعات والمعارك التي تبدأ بمحاربة اللغة الأم ثم التوغل في فكر وثقافة الأمة المقصودة، ويؤدي سقوط اللغة الأصلية من خلال محاربتها من طرف أنصار النزعة المتعالية إلى انجراف الأمة نحو الهاوية الاستعمارية بعدّ اللغة هي الذات والهوية والانتماء الوطني.
ولعل اللغة العربية أكبر شاهد على فكرة التمركز المسرف للذات الطامعة للغزو والانتشار على حساب باقي اللغات، وكانت بؤرةً لتوالي الاستعمارات الثقافية التي حاربت اللغة العربية في موطنها الأصلي. وراح بذلك العربي يبحث عن بديل لغوي يعبّر به عن آلامه وأحزانه نتيجة لذلك التطهير العرقي واللغوي الذي تمارسه حركة الغزو الثقافي، حتى أضحت اللغة العربية تعيش حالة من التغريب الذي كان سببه الأول الاستعمار الذي حاول طمس الهوية العربية عبر محاربة لغتها الأصلية، التي يمكن اعتبارها عامل من عوامل تطور الأمة العربية في سابق العصور، خاصة وأنها لغة القرآن الكريم هذا الكتاب المقدس الذي يمثل التاريخ الكلي وحضارة وعادات ومعتقدات هذه الأمة، والسبب الثاني هو هجرة أبنائها لها، راكضين وراء عصر العولمة ومحاولة بلوغ مصاف الآداب العالمية.
وبالتالي أصبحت الثقافة العربية خاضعة «لمعادلة الإقصاء والاستبعاد من جهة، والاستحواذ السلبي والتنكر والتخفي من جهة، وهذا التعارض الذي يتحكم بالأنساق الثقافية أفضى إلى نتيجة خطيرة، وهي أن الثقافة العربية الحديثة أصبحت ثقافة "مطابقة" وليس ثقافة "اختلاف"»[i]. ثقافة لازالت تؤمن وتتقيد بفكرة التبعية لثقافة الآخر (المستعمِر) الذي ترى في ثقافته مشكاة تنير به الإنجازات التي تسمو إليها، ولكن هذا الإنجاز ما هو إلا نجاح مؤقت يُحسب للآخر لا للذات العربية؛ لأن: «الثقافة العربية لم تفلح في بلورة ملامح خاصة بها، وظلت أسيرة مجموعة من الرهانات المتصلة بغيرها»[ii]، ذلك الغير الذي يحاول أن يثبت غيريته في أدبنا وثقافتا العربية في مرأى من أهلها الذين لم يحرك ساكنا، وإنما أصبحوا من دعاة التعددية الثقافية التي ترى: «وجوب التعامل مع تنوع الجماعات الثقافية باعتباره حقيقة واقعة»[iii] وهذا ما لاحظناه في الابداعات الأدبية التي اعترفت على لسان مؤلفها بأنها نصوص تنتمي للتعددية الثقافية وأن المبدع يعيش حالة من الازدواجية الثقافية اللغوية.
وبالنظر إلى بعض النصوص الأدبية الجزائرية المعاصرة بصفة عامة والروائية خاصة، نكتفي بالتعليق بأن اللغة العربية في وضعية كارثية، وضعها أبناؤها في مأزق ثقافي، بعدّ الجزائر بلداً اكتنز على ثروات ثقافية، حضارية وفكرية عاشت حالة الهجمة الاستعمارية من الاحتلال العثماني وصولا للفرنسي. فعلى الرّغم من زوال هذه الاستعمارات إلا أن آثاره التدميرية لازالت حية من خلال تهجين اللغة العربية التي انتقلت من المحيط المحلي إلى البيئة المثقفة «فلقد بذل الاستعمار الفرنسي قصارى جهده لطمس اللغة العربية ومحو معالمها بين أفراد الشعب الجزائري، فاعترض عليه التاريخ وخيّب آماله أن يفرض البدائل بدءً باللغة الفرنسية وانتهاء بإحلال اللهجات محل اللغة الفصحى»[iv]، وبالتالي كشفت الجزائر عن وجود ساحة صراع بين إثبات الذات والهوية والانتماء عبر التمسك باللغة العربية الحاملة لثقافتهم ومعتقداتهم وبين الحلم الذي أصبح يتسلل في الذات الحالمة للسير وراء ركب العالمية، وهكذا أصبحنا أمام صراع لغوي ثقافي يتحتم على هذا الصراع أن يفرز منتصرا ومغلوبا على أمره؛ لأن: «الانتصار في صراع اللغات إنما يمثل بداية لتاريخ الغالب (...) وتمكنه من فرض نفسه سيداً في العالم (...) ونهاية لتاريخ المغلوب وجوداً وهوية وثقافة وحضارة وقيما ومعتقدا»[v].
وإذا نظرنا إلى الرواية الجزائرية خاصة المعاصرة نجدها تعترف بأنها ساحة لهذا الصراع اللغوي وأن اللغة العربية الفصيحة تعيش حالة انتحار لغوي نتيجة التهجين، الذي أصبح السمة البارزة للغة العربية في النصوص الروائية الجزائرية نتيجة تبلور فكرة الازدواجية اللغوية لدى كتاب الرواية أو ممن يريدون احتراف الصناعة الروائية. وقد توفرت "رواية جذور وأجنحة" لمؤلفها سليم بتقة على تنوع في المستويات اللغوية؛ لأن الرواية «من أكثر الأجناس الأدبية لصوقا بالمستويات، وهذا عائد إلى اهتمامها بالحوار وتصوير الواقع بمختلف مستويات شخوصه»[vi].وكأن المؤلف في حالة صراع داخلي بين أصله الثقافي وبيئته المحلية من جهة ومحاولته لركب حركة العولمة من جهة أخرى، هذا ما جعل نصه الروائي يرسم علاقات لغوية ثلاثية بين اللغة الفصحى، العامية (اللهجة)، اللغة الأجنبية (الفرنسية)
[i] عبد الله ابراهيم: الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت، لبنان، 2004، ص5.
2 المرجع نفسه: ص6.
3 حسام الدين علي مجيد: إشكالية التعددية الثقافية في الفكر السياسي المعاصر: جدلية الاندماج والتنوع، سلسلة
أطروحات الدكتوراه، مركز دراسات لوحدة العربية، ط1، بيروت، 2010، ص188.
4 عبد السلام المسدي: العرب والانتحار اللغوي، دار الكتاب الجديدة المتحدة، ط1، بيروت، لبنان، 2011، ص57.
5 هادي نهر: اللغة العربية وتحديات العولمة، عالم الكتب الحديث، ط1، اربد، الأردن، 2010، ص7.
6 حسن حمزة: المستويات اللغوية في العربية المعاصرة، سلسلة محاضرات الجامعة الأمريكية في بيروت، 2010،
(دص).
7 هادي نهر: اللغة العربية وتحديات العولمة، ص21.
8 سليم بتقة: جذور وأجنحة (رواية)، دار علي بن زيد للطباعة والنشر، ط1، بسكرة، الجزائر، 2014، ص7.
Références
2 المرجع نفسه: ص6.
3 حسام الدين علي مجيد: إشكالية التعددية الثقافية في الفكر السياسي المعاصر: جدلية الاندماج والتنوع، سلسلة
أطروحات الدكتوراه، مركز دراسات لوحدة العربية، ط1، بيروت، 2010، ص188.
4 عبد السلام المسدي: العرب والانتحار اللغوي، دار الكتاب الجديدة المتحدة، ط1، بيروت، لبنان، 2011، ص57.
5 هادي نهر: اللغة العربية وتحديات العولمة، عالم الكتب الحديث، ط1، اربد، الأردن، 2010، ص7.
6 حسن حمزة: المستويات اللغوية في العربية المعاصرة، سلسلة محاضرات الجامعة الأمريكية في بيروت، 2010،
(دص).
7 هادي نهر: اللغة العربية وتحديات العولمة، ص21.
8 سليم بتقة: جذور وأجنحة (رواية)، دار علي بن زيد للطباعة والنشر، ط1، بسكرة، الجزائر، 2014، ص7.
عبد السلام المسدي: العرب والانتحار اللغوي، ص166.
الرواية: ص7.
لويس جان كالفي: حرب اللغات والسياسات اللغوية، تر: حسن حمزة، المنظمة العربية للترجمة، ط1، بيروت، لبنان، 2008، ص19.
عبد الله ابراهيم: الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة، ص5.
رعد شمس الدين الكيلاني: العولمة وتاريخ الصراع مع الغرب، دار الجنان للنشر والتوزيع، ط1، عمان، 2012، ص8.
عبد السلام المسدي: العرب والانتحار اللغوي، ص20.
الرواية: ص17.
الرواية: ص18.
حسن حمزة: المستويات اللغوية في العربية المعاصرة، (د.ص).
رحمون حكيم: مستويات استعمال اللغة العربية بين الواقع والبديل، إشراف صالح بلعيد، قسم الأدب العربي، كلية الآداب واللغات، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، مذكرة ماجستير، 2011، ص115.
الرواية: ص8.
المصدر نفسه: ص9، 10.
المصدر نفسه: ص43.
هادي نهر: اللغة العربية وتحديات العولمة، ص2.