ظاهرة المطابقة في الجملة الفعلية ‏ بين التقنين و التفسير

  • الأميـن ‏ مـلاّوي جامعة محمد خيضر بسكرة

Résumé

 لا جرم أن المتتبع للنحو العربي منذ تقعيد أصوله يجد فيه إشارات رائدة والتفاتات هامة عن الجملة، تنم عن قدرة فائقة في الدراسة وعن عبقرية نادرة في فهم اللغة و التعامل مع وحداتها،وفق منهج كان صورة لمظاهر فكرية عامة للحياة العقلية الإسلامية منذ القرن الثاني للهجرة.لذلك تداخلت فيه عناصر عديدة مؤسسة آليات النظر اللغوي في التراث العربي.و تلك العناصر هي منتج معرفي للظروف و الملابسات التي نشأ فيها الدرس اللغوي،و التي حددت مسار النظرية النحوية فلسفة و منهجا و هدفا.

و تلك الظروف هي التي كانت وراء تشتت هاتيك الإشارات ،آخذة بها في شعب التجزؤ نائية بها عن مواطن التجمع،فكان أن حرمتها من ميلاد نظرية متكاملة لدراسة التراكيب،و تركتها نهبا للأبواب النحوية تتقاذفها أمواج المعيارية الشكلية و العلامات المبنوية،دون وحدة النسق و مقصد المعنى و الدلالة.

نظر النحاة إلى التركـيب من خلال ما يؤديه من وظيفة ،فألفوه خبـرا و طلـبا و إنشاء1.و نظروا من جهة أخرى إلى مكوناته فارتضوا الموقع معيارا للتصنيف.و لما كان الكلام لا يتحقق إلا بإسناد اسم إلى اسم،أو فعل إلى اسم،أو اسم إلى فعل،كانت الجملة العربية نوعين:اسمية وفعلية.و هو المشهور و عليه جمهور النحاة2.

لا عناء في معرفة المقاييس التي اعتمدها النحاة أساسا لتحديد مفهوم الجملة الفعلية،فهي لا تحيد عن معالم النظرية النحوية في تقسيم الكلم و خصائصه،و التقديـر ، والعمل،و الموقع.و قد ارتضى النحاة تعريفا شكل منهجا سارت عليه الدراسـة النحوية، و امتد إلى الدرس اللغوي الحديث، فالجملة عند النحاة  تسمى فعلية(( إن بدأت بفعل سواء كان ماضيا أم مضارعا أم أمرا،و سواء كان الفعل متصرفا أم جامدا،و سواء كان تاما أم ناقصا،و سواء كان مبنيا للفاعل أم مبنيا للمفعول:كقام زيد،و يضرب عمرو،اضرب زيدا،و نعم العبد،و كان زيد قائما…و لا فرق في الفعل أن يكون مذكورا أو محذوفا،تقدم معموله عليه أو لا ، تقدم عليه حرف أو لا نحو: هل قام زيد؟ و نحو:زيدا ضربته،و يا عبد الله، فزيدا و عبد الله منصوبان بفعل محذوف…و نحو: ((ففريقا كذبتم)) ففريقا مقدم من تأخير و الأصل كذبتم فريقا.)).3

وهو تعريف جمع كل أشكال الجملة الفعلية،و استند إلى مبدأين أساسين يعودان إلى الخصائص التركيبية للفعل،و هما:

*موقع الفعل: و هو أن يتصدر الجملة،و الصدارة متأتية من كون الفعل عاملا فيما بعده من الأسماء و منزلة العامل تسبق معموله.

و يرى النحاة  أن هذا الموقع يستثنى منه ما تقدمه من حروف،لأنها لا تمثل عنصرا رئيسا في الجملة،كما أن تقدم بعض الأسماء لا يعتد به لأنها في رتبة التأخير.

* تقدير الفعل:يقدر النحاة فعلا محذوفا في بعض التراكيب،وفق قواعد معينة،يكون هو المتحكم فيما بعده إعرابا        .

  و وقف الدارسون المحدثون إزاء تحديد القدماء للجملة الفعلية في اتجاهات ثلاثة:

*المؤثرون للنظر القديم: و هم ينتهجون المنهج نفسه الذي ارتضاه النحاة معيارا للجملة الفعلية، و هو موقع الفعل في الصدارة.4

*المثبتون للنظر القديم بالإخراج:و هؤلاء يتبنون النظرية القديمة،إلا أنهم يخرجون الأفعال الناقصة من معيار التصنيف.5

*المجددون: يرفضون الاحتكام إلى الموقعية،و يعولون على وظيفة الفعل في التصنيف؛فإذا كان الفعل مسندا في الجملة عدت فعلية، و لا عبرة بتقدمه أو تأخره.6

      لا يختلف الدرس اللغوي حديثه و قديمه على مكونات الجملة الفعلية، حيث يمثل الفعل و الفاعل ركنين أساسين للتركيب الفعلي  من خلال تمثيلهما طرفي الإسناد، مما جعلهما يرتبطان – بعضهما ببعض - بعلاقات معنوية و لفظية. فالكلمات تخضع لنظام تجاوري محكوم بأنسقة دلالية ولفظية، تجعله يحقق الفائدة الابلاغية، فلا يتحدد المقصود من بناء الكلمات المتجاورة، إلا إذا توفرت صحة المعنى النحوي الدلالي للتركيب، الذي يصبح هذرا من الكلام إذا انعدم .كما يستدعي التجاور قرائن لفظية تجعل من الكلمات بناء شكليا غير منفصم العرى، بحيث لا يظن أنها مجرد صيغ لغوية قائمة بذاتها.

وهذا النظام التجاوري هو الذي يحقق الربط بين الكلمات، بحيث يكون تصور كل كلمة مرهونا بقيمتها في ذاتها، وبما تطلبه من عناصر أخرى تجاورها، وتتحد معها في المعنى، وتتجلى بعض مظاهر هذا النظام في الجملة الفعلية، حيث يكوّن عناصرها –الفاعل، الفعل- وحدة دلالية وشكلية تحمل في ثناياها دلالة كل عنصر على الآخر.

  وبما أن الفاعل أو المسند إليه يكون مذكرا، أو مؤنثا، ويأتي مفردا، أو مثنى أو جمعا، فإنه يشير بطبيعته تلك إلى فعله أو المسند، كما أن الفعل يحمل إشارات تنبئ عن فاعله، فتتحقق بذلك ما يعرف بالمطابقة النوعية، والمطابقة العددية في الجملة الفعلية.


1 ينظر:همع الهوامع للسيوطس،1/35.

2 ينظر: شرح المفصل لابن يعيش1/84

3 موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب،خالد الأزهري،ص33.و ينظر:مغني اللبيب،لابن هشام2/420-421.

4 ينظر:إعراب الجمل و أشباه الجمل ، فخر الدين قباوة ، 19.

5 ينظر: التطبيق النحوي،عبده الراجحي،179.و الجملة العربية،محمد إبراهيم عبادة،51.

6 ينظر:في النحو العربي نقد و توجيه، مهدي المخزومي،ص41.و نظام الجملة في شعر المعلقات، أحمد محمود نحلة،ص25.

Références

‏1 ينظر:همع الهوامع للسيوطس،1/35.‏
‏2 ينظر: شرح المفصل لابن يعيش1/84‏
‏3 موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب،خالد الأزهري،ص33.و ينظر:مغني اللبيب،لابن هشام2/420-421.‏
‏4 ينظر:إعراب الجمل و أشباه الجمل ، فخر الدين قباوة ، 19.‏
‏5 ينظر: التطبيق النحوي،عبده الراجحي،179.و الجملة العربية،محمد إبراهيم عبادة،51.‏
‏6 ينظر:في النحو العربي نقد و توجيه، مهدي المخزومي،ص41.و نظام الجملة في شعر المعلقات، أحمد محمود ‏نحلة،ص25.‏
‏7 – ينظر :علم اللغة ، مقدمة القارئ العربي، محمود السعران، 234 .‏
‏8 – ينظر : مبادئ اللسانيات،أحمد محمد قدور، 190 .‏
‏9 ينظر:شرح ابن عقيل 4/91.و الأشباه و النظائر للسيوطي2/148‏
‏10 – شرح الكافية،الاسترباذي 2/401 .‏
‏11 – شرح التصريح، خالد الأزهري 1/277 .‏
‏12 – المرجع نفسه .‏
‏* -البيت لعامر بن جوين الطائي،و هو من شواهد:الخصائص،لابن جني2/411.و مغني اللبيب2/731.و شرح ‏ابن عقيل2/92.‏
‏** -ديوانه،230،و هو في شرح التصريح برواية أخرى1/278.‏
‏13 – ينظر: الكتاب2/38 و شرح التصريح 1/279.‏
‏14 ديوانه ،شرح الصاوي،2/551 و هو من شواهد الخصائص2/414،وشرح التصريح 279.‏
‏14 – شرح التصريح 1/279.‏
‏15 – ينظر: أوضح المسالك 2/113.‏
‏16 – الخلاصة.49‏
‏17 – شرح ابن عقيل 2/95.‏
‏17 – سورة يونس الآية13‏
‏18 – سورة آل عمران الآية183 ‏
‏19 – النحو الوافي،عباس حسن 2/80‏
‏20 – سورة القمر الآية9.‏
‏21 – سورة الأنعام الآية66‏
‏22 – سورة الحجرات الآية14‏
‏23 – سورة التوبة الآية99‏
‏24 – سورة يونس الآية 90‏
‏25 – سورة الممتحنة الآية12‏
‏26 – ينظر: شرح التصريح 1/280، أوضح المسالك 2/116.‏
‏27 – ينظر: الأشباه والنظائر 2/148.‏
‏28 –سورة الأنعام الآية 78. ‏
‏29 ينظر:فتح القدير للشوكاني،2/170و الخصائص2/412‏
‏30 – ينظر : عود إلى التذكير و التأنيث و لوازمه، إبراهيم السامرائي،(مجلة مجمع اللغة العربية الأردني)34/28 ‏‏.‏
‏31 – الفصيح،ثعلب 144.‏
‏32 – عود إلى التذكير و التأنيث و لوازمه34/28.‏
‏33 – روي عن الفراء أن علامات التأنيث في الفعل هي التاء الساكنة في قامت، والكسرة في قمت، والنون في ‏فعلن، والياء في تفعلين، ينظر: الأشباه والنظائر 2/151.وذهب ابن هشام إلى أن ما يعرف بتاء المضارعة من ‏علامات تأنيث الفعل، ينظر: شرح اللمحة البدرية لابن هشام2/290، وينظر: شرح التصريح 1/277.‏
‏(*) – إن الناظر في السوابق التي ترتبط بالأفعال، والمعروفة بحروف المضارعة، (أنيت) يجدها تؤدي وظائف ‏متعلقة بالفعل والفاعل معا، وليست
وظيفتها محددة بالدلالة على المضارعة فقط- وإن كانت الصفة المشتركة والظاهرة- فهي تشترك في جملة من ‏الخصائص تجعلها تأخذ مكانا مستقلا في التقسيم فهي لا تستقل بنفسها وتأتي في بداية الأفعال- و تتكون من ‏حرف واحد، و تحدد الإسناد من حيث الزمن، وحالة الفاعل في الخطاب و التكلم والغيبة، فإذا قلنا: أكتب دلت ‏‏(أ) على: أن الفعل وقع في الزمان الحاضر و أن الفاعل متكلم،و مفرد، وبالتالي فقد حددت إسناد الفعل في ‏الزمن الحاضر إلى الفاعل المتكلم، المفرد، لذلك فإننا نؤثر تسميتها: "موجهات الإسناد". ‏
‏34 – الأشباه والنظائر 1/323، وينظر المقتضب للمبرد 4/54، و أسرار العربية ابن الأنباري 286 .‏
‏35 – الجملة الفعلية علي أبو المكارم 139.‏
‏36 – شرح ابن عقيل 2/79-80، وينظر قطر الندى لابن هشام 199، و همع الهوامع 2/25.‏
‏37 – اللمع في العربية لابن جني 80.‏
‏38 – الكتاب 1/234، قال الانباري: "فإن قيل: فلم استتر ضمير الواحد، نحو: زيد قام، وظهر ضمير الاثنين، ‏نحو: الزيدان قاما، وضمير الجماعة، نحو: الزيدون قاموا؟ قيل: لأن الفعل لا يخلوا من فاعل واحد، وقد يخلو ‏من اثنين وجماعة، فإذا قدمت اسما مفردا على الفعل، نحو: زيد قام لم تحتج إلى إظهار ضميره لإحاطة العلم بأنه ‏لا يخلو من فاعل واحد، وإذا قدمت اسما مثنى على الفعل نحو: الزيدان قاما، أو مجموعا، نحو: الزيدون قاموا، ‏وجب إظهار ضمير التثنية والجمع، لأنه قد يخلو من ذلك، فلو لم يظهر ضميرهما لوقع الالتباس، ولم يعلم أن ‏الفعل لأثنين أو جماعة.." أسرار العربية 92. ‏
‏(*) – من اللغويين من عد ذلك من مظاهر اللحن، ينظر درة الغواص.للحريري،145.‏
‏39 – شرح ابن عقيل 2/80، وينظر: قطر الندى 199.‏
‏2 – ينظر: معنى اللبيب 2/404- شرح ابن عقيل 2/80 و همع الهوامع 2/257، شرح التصريح 1/275.‏
‏40 ) – تبعا لسيبويه، فهو أول من مثل لها في كتابه، وأختار لها هذا المثال ينظر الكتاب. 3/209.‏
‏41 ) – سورة الأنبياء الأية3. ‏
‏42 ) – سورة المائدة الأية71. ‏
‏43 ) – صحيح مسلم3/160.و التمهيد لابن عبد البر 6/153.‏
‏44 –التاريخ الكبير للبخاري1/183. و كشف الخفاء للعجلوني2/803.و الكامل في ضعفاء الرجال،لابن ‏عدي2/459.‏
‏45 ) –صحيح البخاري،1/203-204،و فتح الباري لابن حجر 2/33 . و موطأ الإمام مالك88.‏
‏46 –ديوان الصعاليك.شرح يوسف شكري فرحات93.‏
‏47 –ديوانه196. و هو من شواهد:مغني اللبيب1/407و شرح ابن عقيل2/81و همع الهوامع2/257 و شرح ‏التصريح277.‏
‏48 –نسبه السيوطي إلى أحيحة بن الجلاح،ينظر:شرح شواهد المغني،783.‏
‏49 – ينظر: الكتاب 1/236 نتائج الفكر للسهيلي 166 و شرح الكافية2/402 و شرح ابن الناظم 220، شرح ‏ابن عقيل 2/80‏
‏50 – "جوزا في إعراب الذين ظلموا وجوها: الرفع، والنصب، والجر.فالرفع: على البدل من ضمير (وأسروا) ‏إشعارا أنهم الموسومون بالظلم الفاحش، فيمما اسروا به، قاله المبرد وعزاه ابن عطية إلى سيبويه، أو على أنه ‏فاعل و الواو في أسروا علامة للجمع على لغة أكلوني البراغيث" قاله أبوا عبيدة والأخفش، وغيرهما، قيل، وهي ‏لغة شاذة.قيل:و الصحيح أنها لغة حسنة،وهي من لغة أزد شنوءة،و خرج عليه قوله((ثم عموا وصموا كثير ‏منهم))...أو على أن (الذين) مبتدأ و (أسروا النجوى)..خبره قاله الكسائي،فقدم عليه و المعنى:و هؤلاء أسروا ‏النجوى،فوضع المظهر موضع المضمر تسجيلا على فعلهم أنه ظلم،أو أنه فاعل بفعل القول و حذف أي يقول ‏‏(الذين ظلموا) و القول كثيرا يضمر،و اختاره النحاس،قال:و يدل على صحة هذا أن بعده (هل هذا إلا بشر ‏مثلكم)و قيل التقدير أسرها الذين ظلموا،و قيل (الذين) خبر مبتدأه محذوف أي هم الذين ،و النصب على الذم قاله ‏الزجاج،أو على إضمار أعني قاله بعضهم. و الجر على أن يكون نعتا للناس أو بدلا من قوله (اقترب للناس) ‏قاله الفراء و هو أبعد الأقوال.البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي6/275-276.و ينظر:تفسير الطبري10/2 و ‏تفسير القرطبي6/269،و تفسير الرازي11/14.‏
‏51 – شرح عيون كتاب سيبويه للمجريطي 29.‏
‏52 –الفعل زمانه وأبنيته.إبراهيم السامرائي، 211‏
‏53 – مبادئ اللسانيات 200.‏
‏54 ) – في بناء الجملة العربية محمد حماسة عبد اللطيف 170.‏
‏55 – المرجع نفسه 172.‏
‏56 – الجملة الفعلية 141-142.‏
‏57 – الأشباه والنظائر 1/246.‏
‏58 – أبحاث في اللغة العربية داود عبده 77.‏
Comment citer
مـلاّوي, الأميـن ‏. ظاهرة المطابقة في الجملة الفعلية ‏ بين التقنين و التفسير. مجلة المخبر أبحاث في اللغة والأدب الجزائري, [S.l.], n. 03, avr. 2017. ISSN 1112-6280. Disponible à l'adresse : >https://revues.univ-biskra.dz/index.php/lab/article/view/2041>. Date de consultation : 23 nov. 2024
Rubrique
Articles