الصورة الشعرية عند نازك الملائكة

  • آجقو سامية جامعة محمد خيضر بسكرة

Résumé

ملخص

  إن التجربة الشعرية الواعية تتكشف أوصالها من خلال اللغة و الصورة والموسيقى   وكلها مقومات تنحو بالإبداع نحو التوازن الذي تكفله الصورة على اعتبار أن الشاعر يفكر بالصور و يموسقها، وهو ما تعكسه المرايا الشعرية لنازك الملائكة على مستوى التصوير الشعري.

         

تبقى الممارسة الشعرية رهن المغامرة اللغوية، في انزياحاتها المتمردة على المألوف من المعاني، و هذا يقتضي بالضرورة أن تسحب هذه السياقات الجديدة عربات الخيال و المجاز حتى تتنزل بالشعر في << دائرة الرؤيا و يكاد يتوحد بالحلم. و الصورة هي الشكل الذي يستجيب للرؤى>>(1).هذه المرايا الشعرية التي يعكس على مساحتها الشاعر أفكاره المصورة بواسطة اللغة ولا يتأتى له هذا إلا <<عبر المجاز، فهي فكرة مصورة، أو صورة مفكرة>>(2).ذلك أن الكلمة لم تعد وسيلة للتعبير عن الأفكار، بل أصبحت أداة مهمة تستكنه دواخل الشاعر عن طريق التصوير و ذلك بخرق التفكير المنطقي الذي يسقط سقوطا ممنطقا على الأشياء، و اكتساب مرونة التفكير و ترطيبه بنفحات الخيال الذي يبث الحركة و الحيوية داخل العناصر اللغوية التي تخلق مدارات سياقية  جديدة << يجمع ما لا يجتمع، و يقرن ما لا يقترن وفق كيمياء اللغة التي تفجر الدلالات المكبوتة في قلب اللغة>>(3).

و لما كان التفكير بالصور هو القاسم المشترك بين الشعراء يبقى التمايز        و طريقة التصوير و معطيات الصورة و تشكيلها اللغوي هو المحك الذي يقرن اقترابها حتى يعقد اختلافها و تمايزها، فالشاعر القديم يقترب من الوضوح في إجلاء صوره الشعرية و ذلك بالأخذ من المعطيات الحسية لخلق تركيبة منطقية تعقلن العلاقة الشعرية بين المشبه و المشبه به على وجه يرتضيه المنطق و تقره الذائقة البلاغية. و كأن الشاعر القديم مكلف بحمل الواقع الحسي على عاتقه كمعين يسوغ علاقاته الشعرية و ينيطها بمرجعية حسية يدركها العقل. ليأتي الشاعر المعاصر و يعمل على خرق هذا الوضوح الذي يفضح المغامرة الشعرية و ينزلها مرتبة العقل، الأمر الذي جعله ينطلق بالشعر بعيدا عن مدركات العقل إلى عوالم وامضة محفوفة بظلال المشاعر و الأحاسيس، وهو ما فرض عليه أساليب جديدة في عملية التصوير الشعري كسرت آليات التصوير النمطي    واعتمدت الخيال مناخا تتنفس فيه صوره الشعرية، وذلك باعتماد التشخيص و التجسيم   والحلم و تراسل الحواس.وكل هذا لا يبقى اعتماده على الصور النفسية الوجدانية التي طبعت قريحة الشاعر و استحلبت من معين الخيال و الذاكرة النفسية و الجمعية، ذلك أن<<الفرق بين موقف الشاعر القديم و الشاعر المعاصر هو أن استخدام الأول لعناصر الطبيعة هذه كان استخداما جزئيا، كان وسيلة بلاغية أكثر منها شعرية، و قد تمثل هذا فيما استخدم الشاعر من تشبيه      و استعارة، أما الشاعر المعاصر فإنه يتمثل الصورة كاملة، فترتبط في رؤياه هذه العناصر، ارتباطا عضويا يجعل الصورة كلها تفرض لنفسها وجودا خلال منطق الخيال هو أكثر واقعية من الواقع نفسه>>(4).

أما واقع الدرس البلاغي القديم فلم يخرج بالصورة الشعرية عن نسغ التشبيه    والاستعارة على اعتبار << أن الشعر القديم في معظمه كان يتحرك في حدود الاستعارة والتشبيه، فكانت اللغة عندئذ تمثل وجودا غير حقيقي لوجود حقيقي>>(5) يلزم اللغة على الإقامة في حدود الثنائيات المتقابلة التي فرضتها الصورة الكلاسيكية التي <<تقوم على المقاربة و المناسبة بين العناصر و الأشياء المكونة لها، و تقوم أيضا على الثنائية البلاغية التي تحتفظ باستقلالية عنصري الصورة، فلا يتداخلان إلا ما ندر، و تقوم من جهة ثالثة على توضيح المعنى أو شرحه أو زخرفته و تزيينه مما يعنى استقلال الصورة عن الفكرة، فكثيرا ما يشمل البيت الشعري الكلاسيكي على التناظر بين الصورة              والفكرة>>(6).

هذه الرؤيا المزدوجة سرعان ما تلاحمت و توحدت في العملية التصويرية ذلك أن الشاعر وما يمتلكه من أساليب و تقنيات و أخيلة هو رهن التأثر بالمذاهب الأدبية خاصة الرومانسية منها و الرمزية، فأصبحت بذلك الصورة تبتعد شيئا فشيئا عن العقل   والوضوح و المباشرة وهي خلفية الصورة الكلاسيكية لتقترب من الذات المبدعة و تتوغل أكثر في الخيال و الحلم وهو ما مهد للصورة بالمفهوم الحداثي ك<< نتيجة للحضور القوي للصورة بالمفهوم الشعري الحداثي أصبح المزج بين المحسوس و المعقول و المتخيل أحد الشروط الضرورية التي تباعد النمطية و النموذجية. ومن ثم الجمع بين الإرادة و اللاإرادة، الوعي و اللاوعي في تشكيلها يعتبر مطلبا شعريا أساسيا >>(7).

وهو المطلب نفسه الذي حاولت من خلاله الشاعرة إعادة التسوية وربط رهانات الحداثة الشعرية بقيام ذاتها على مسافة من التصور البلاغي القديم وخلق مسافة أخرى موازية من الوعي الفني و الجمالي للصورة بالمفهوم الحداثي.

ومهما يتبدى في هذا الحكم المسبق لأوانه إلا أنه سيتضح لاحقا.

Références

‏(1)- محمد لطفي اليوسفي: تجليات في بنية الشعر العربي المعاصر، سراس للنشر، تونس ‏ط1، 1985، ص 92-93.‏
‏(2)- سعد الدين كليب: وعي الحداثة، دراسة جمالية في الحداثة الشعرية، منشورات اتحاد ‏الكتاب العرب،ط1، 1971، ص39‏
‏(3)- عبد الحميد هيمة: الصورة الفنية في الخطاب الشعري، دار هومة ط1، 2003، ‏ص73.‏
‏(4)- عز الدين اسماعيل: الشعر العربي المعاصر، قضاياه و ظواهره الفنية و المعنوية، دار ‏العودة و دار الثقافة، بيروت، ط3، 1981، ص233.‏
‏(5)- محمد العبد حمود: الحداثة في الشعر العربي المعاصر، بيانها و مظاهرها، الشركة ‏العالمية للكتاب، بيروت،لبنان، ط1، 1996، ص100.‏
‏(6)- سعد الدين كليب: وعي الحداثة، ص42.‏
‏(7)- عبد القادر غزالي: الصور الشعرية و أسئلة الذات، قراءة في شعر حسن نجمي، دار ‏الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 2004، ص103.‏
‏(8)- عثمان حشلاف: التراث و التجديد في شعر السياب، ديوان المطبوعات الجامعية، ‏الجزائر، (د .ط)،(د.ت)، ص19.‏
‏(9)- عبد القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة، تحقيق محمد الفاضلي، المكتبة العصرية صيدا، ‏بيروت، (د.ط)،2003،ص69.‏
‏(10)- إحسان عباس: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الشروق للنشر و التوزيع عمان، ‏الأردن، ط4، 2006،ص412.‏
‏(11)- نازك الملائكة: ديوان عاشقة الليل، مج1، ص473.‏
‏(12)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد، مج2، ص75-76.‏
‏(13)- نازك الملائكة: ديوان مأساة الحياة، مج1، ص174-175.‏
‏(14)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد: مج2، ص98.‏
‏(15)- نازك الملائكة: أغنية للإنسان (1)، مج1،ص252.‏
‏(16)- نازك الملائكة: ديوان قرارة الموجة، مج2، ص404.‏
‏(17)- نازك الملائكة: ديوان أغنية للإنسان(1)، مج1، ص317.‏
‏(18)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد،مج2، ص67.‏
‏(19)- نازك الملائكة: ديوان عاشقة الليل، مج1،ص518.‏
‏(20)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد،مج2، ص190.‏
‏(21)- نازك الملائكة: ديوان قرارة الموجة، مج2، ص266.‏
‏(22)- المصدر نفسه، ص268.‏
‏(23)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد،مج2،ص68.‏
‏(24)- نازك الملائكة: ديوان قرارة الموجة، مج2، ص394.‏
‏(25)- الولي محمد: الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي و النقدي، المركز الثقافي العربي ‏بيروت، لبنان،ط1، 1990، ص180.‏
‏(26)- عبد القاهر الجرجاني : أسرار البلاغة ، تحقيق محمد الفاضلي ، ص 27 .‏
‏(27)- مدحت الجيار : الصور الشعرية عند أبي القاسم الشابي ، دار المعارف ، مصر ، ‏القاهرة ، ط2 ، 1995 ، ص 133.‏
‏(28)- المرجع نفسه ، ص 136.‏
‏(29)- المرجع نفسه ، ص 134 – 135 .‏
‏(30)- نازك الملائكة : ديوان عاشقة ، مج 1 ، ص 463 – 464 .‏
‏(31)- المصدر نفسه، ص463-464.‏
‏(32)- نازك الملائكة: قرارة الموجة، مج2، ص271.‏
‏(33)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد، مج2، ص191.‏
‏(34)- مدحت الجيار: الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي، ص136.‏
‏(35)- نازك الملائكة: عاشقة الليل، مج1، ص489.‏
‏(36)- نازك الملائكة: ديوان قرارة الموجة، مج2، ص299.‏
‏(37)- نازك الملائكة: ديوان عاشقة الليل، مج1، ص491.‏
‏(38)- مدحت الجيار: الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي، ص134-135.‏
‏(39)- نازك الملائكة: شجرة القمر، مج2، ص481-482.‏
‏(40)- نازك الملائكة: عاشقة الليل، مج1، ص576.‏
‏(41)- نازك الملائكة: قرارة الموجة، مج2، ص346.‏
‏(42)- نازك الملائكة: مأساة الحياة، مج1، ص551.‏
‏(43)- المصدر نفسه ، ص165-166.‏
‏(44)- نازك الملائكة: قرارة الموجة، مج2، ص321.‏
‏(45)- نازك الملائكة: شجرة القمر، مج2، ص497.‏
‏(46)- المصدر نفسه ، ص499.‏
‏(47)- المصدر نفسه ، ص571.‏
Comment citer
سامية, آجقو. الصورة الشعرية عند نازك الملائكة. مجلة المخبر أبحاث في اللغة والأدب الجزائري, [S.l.], n. 06, avr. 2017. ISSN 1112-6280. Disponible à l'adresse : >https://revues.univ-biskra.dz/index.php/lab/article/view/2101>. Date de consultation : 04 déc. 2024
Rubrique
Articles