الصورة الشعرية عند نازك الملائكة
Résumé
ملخص
إن التجربة الشعرية الواعية تتكشف أوصالها من خلال اللغة و الصورة والموسيقى وكلها مقومات تنحو بالإبداع نحو التوازن الذي تكفله الصورة على اعتبار أن الشاعر يفكر بالصور و يموسقها، وهو ما تعكسه المرايا الشعرية لنازك الملائكة على مستوى التصوير الشعري.
تبقى الممارسة الشعرية رهن المغامرة اللغوية، في انزياحاتها المتمردة على المألوف من المعاني، و هذا يقتضي بالضرورة أن تسحب هذه السياقات الجديدة عربات الخيال و المجاز حتى تتنزل بالشعر في << دائرة الرؤيا و يكاد يتوحد بالحلم. و الصورة هي الشكل الذي يستجيب للرؤى>>(1).هذه المرايا الشعرية التي يعكس على مساحتها الشاعر أفكاره المصورة بواسطة اللغة ولا يتأتى له هذا إلا <<عبر المجاز، فهي فكرة مصورة، أو صورة مفكرة>>(2).ذلك أن الكلمة لم تعد وسيلة للتعبير عن الأفكار، بل أصبحت أداة مهمة تستكنه دواخل الشاعر عن طريق التصوير و ذلك بخرق التفكير المنطقي الذي يسقط سقوطا ممنطقا على الأشياء، و اكتساب مرونة التفكير و ترطيبه بنفحات الخيال الذي يبث الحركة و الحيوية داخل العناصر اللغوية التي تخلق مدارات سياقية جديدة << يجمع ما لا يجتمع، و يقرن ما لا يقترن وفق كيمياء اللغة التي تفجر الدلالات المكبوتة في قلب اللغة>>(3).
و لما كان التفكير بالصور هو القاسم المشترك بين الشعراء يبقى التمايز و طريقة التصوير و معطيات الصورة و تشكيلها اللغوي هو المحك الذي يقرن اقترابها حتى يعقد اختلافها و تمايزها، فالشاعر القديم يقترب من الوضوح في إجلاء صوره الشعرية و ذلك بالأخذ من المعطيات الحسية لخلق تركيبة منطقية تعقلن العلاقة الشعرية بين المشبه و المشبه به على وجه يرتضيه المنطق و تقره الذائقة البلاغية. و كأن الشاعر القديم مكلف بحمل الواقع الحسي على عاتقه كمعين يسوغ علاقاته الشعرية و ينيطها بمرجعية حسية يدركها العقل. ليأتي الشاعر المعاصر و يعمل على خرق هذا الوضوح الذي يفضح المغامرة الشعرية و ينزلها مرتبة العقل، الأمر الذي جعله ينطلق بالشعر بعيدا عن مدركات العقل إلى عوالم وامضة محفوفة بظلال المشاعر و الأحاسيس، وهو ما فرض عليه أساليب جديدة في عملية التصوير الشعري كسرت آليات التصوير النمطي واعتمدت الخيال مناخا تتنفس فيه صوره الشعرية، وذلك باعتماد التشخيص و التجسيم والحلم و تراسل الحواس.وكل هذا لا يبقى اعتماده على الصور النفسية الوجدانية التي طبعت قريحة الشاعر و استحلبت من معين الخيال و الذاكرة النفسية و الجمعية، ذلك أن<<الفرق بين موقف الشاعر القديم و الشاعر المعاصر هو أن استخدام الأول لعناصر الطبيعة هذه كان استخداما جزئيا، كان وسيلة بلاغية أكثر منها شعرية، و قد تمثل هذا فيما استخدم الشاعر من تشبيه و استعارة، أما الشاعر المعاصر فإنه يتمثل الصورة كاملة، فترتبط في رؤياه هذه العناصر، ارتباطا عضويا يجعل الصورة كلها تفرض لنفسها وجودا خلال منطق الخيال هو أكثر واقعية من الواقع نفسه>>(4).
أما واقع الدرس البلاغي القديم فلم يخرج بالصورة الشعرية عن نسغ التشبيه والاستعارة على اعتبار << أن الشعر القديم في معظمه كان يتحرك في حدود الاستعارة والتشبيه، فكانت اللغة عندئذ تمثل وجودا غير حقيقي لوجود حقيقي>>(5) يلزم اللغة على الإقامة في حدود الثنائيات المتقابلة التي فرضتها الصورة الكلاسيكية التي <<تقوم على المقاربة و المناسبة بين العناصر و الأشياء المكونة لها، و تقوم أيضا على الثنائية البلاغية التي تحتفظ باستقلالية عنصري الصورة، فلا يتداخلان إلا ما ندر، و تقوم من جهة ثالثة على توضيح المعنى أو شرحه أو زخرفته و تزيينه مما يعنى استقلال الصورة عن الفكرة، فكثيرا ما يشمل البيت الشعري الكلاسيكي على التناظر بين الصورة والفكرة>>(6).
هذه الرؤيا المزدوجة سرعان ما تلاحمت و توحدت في العملية التصويرية ذلك أن الشاعر وما يمتلكه من أساليب و تقنيات و أخيلة هو رهن التأثر بالمذاهب الأدبية خاصة الرومانسية منها و الرمزية، فأصبحت بذلك الصورة تبتعد شيئا فشيئا عن العقل والوضوح و المباشرة وهي خلفية الصورة الكلاسيكية لتقترب من الذات المبدعة و تتوغل أكثر في الخيال و الحلم وهو ما مهد للصورة بالمفهوم الحداثي ك<< نتيجة للحضور القوي للصورة بالمفهوم الشعري الحداثي أصبح المزج بين المحسوس و المعقول و المتخيل أحد الشروط الضرورية التي تباعد النمطية و النموذجية. ومن ثم الجمع بين الإرادة و اللاإرادة، الوعي و اللاوعي في تشكيلها يعتبر مطلبا شعريا أساسيا >>(7).
وهو المطلب نفسه الذي حاولت من خلاله الشاعرة إعادة التسوية وربط رهانات الحداثة الشعرية بقيام ذاتها على مسافة من التصور البلاغي القديم وخلق مسافة أخرى موازية من الوعي الفني و الجمالي للصورة بالمفهوم الحداثي.
ومهما يتبدى في هذا الحكم المسبق لأوانه إلا أنه سيتضح لاحقا.
Références
(2)- سعد الدين كليب: وعي الحداثة، دراسة جمالية في الحداثة الشعرية، منشورات اتحاد الكتاب العرب،ط1، 1971، ص39
(3)- عبد الحميد هيمة: الصورة الفنية في الخطاب الشعري، دار هومة ط1، 2003، ص73.
(4)- عز الدين اسماعيل: الشعر العربي المعاصر، قضاياه و ظواهره الفنية و المعنوية، دار العودة و دار الثقافة، بيروت، ط3، 1981، ص233.
(5)- محمد العبد حمود: الحداثة في الشعر العربي المعاصر، بيانها و مظاهرها، الشركة العالمية للكتاب، بيروت،لبنان، ط1، 1996، ص100.
(6)- سعد الدين كليب: وعي الحداثة، ص42.
(7)- عبد القادر غزالي: الصور الشعرية و أسئلة الذات، قراءة في شعر حسن نجمي، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 2004، ص103.
(8)- عثمان حشلاف: التراث و التجديد في شعر السياب، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، (د .ط)،(د.ت)، ص19.
(9)- عبد القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة، تحقيق محمد الفاضلي، المكتبة العصرية صيدا، بيروت، (د.ط)،2003،ص69.
(10)- إحسان عباس: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الشروق للنشر و التوزيع عمان، الأردن، ط4، 2006،ص412.
(11)- نازك الملائكة: ديوان عاشقة الليل، مج1، ص473.
(12)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد، مج2، ص75-76.
(13)- نازك الملائكة: ديوان مأساة الحياة، مج1، ص174-175.
(14)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد: مج2، ص98.
(15)- نازك الملائكة: أغنية للإنسان (1)، مج1،ص252.
(16)- نازك الملائكة: ديوان قرارة الموجة، مج2، ص404.
(17)- نازك الملائكة: ديوان أغنية للإنسان(1)، مج1، ص317.
(18)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد،مج2، ص67.
(19)- نازك الملائكة: ديوان عاشقة الليل، مج1،ص518.
(20)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد،مج2، ص190.
(21)- نازك الملائكة: ديوان قرارة الموجة، مج2، ص266.
(22)- المصدر نفسه، ص268.
(23)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد،مج2،ص68.
(24)- نازك الملائكة: ديوان قرارة الموجة، مج2، ص394.
(25)- الولي محمد: الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي و النقدي، المركز الثقافي العربي بيروت، لبنان،ط1، 1990، ص180.
(26)- عبد القاهر الجرجاني : أسرار البلاغة ، تحقيق محمد الفاضلي ، ص 27 .
(27)- مدحت الجيار : الصور الشعرية عند أبي القاسم الشابي ، دار المعارف ، مصر ، القاهرة ، ط2 ، 1995 ، ص 133.
(28)- المرجع نفسه ، ص 136.
(29)- المرجع نفسه ، ص 134 – 135 .
(30)- نازك الملائكة : ديوان عاشقة ، مج 1 ، ص 463 – 464 .
(31)- المصدر نفسه، ص463-464.
(32)- نازك الملائكة: قرارة الموجة، مج2، ص271.
(33)- نازك الملائكة: ديوان شظايا و رماد، مج2، ص191.
(34)- مدحت الجيار: الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي، ص136.
(35)- نازك الملائكة: عاشقة الليل، مج1، ص489.
(36)- نازك الملائكة: ديوان قرارة الموجة، مج2، ص299.
(37)- نازك الملائكة: ديوان عاشقة الليل، مج1، ص491.
(38)- مدحت الجيار: الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي، ص134-135.
(39)- نازك الملائكة: شجرة القمر، مج2، ص481-482.
(40)- نازك الملائكة: عاشقة الليل، مج1، ص576.
(41)- نازك الملائكة: قرارة الموجة، مج2، ص346.
(42)- نازك الملائكة: مأساة الحياة، مج1، ص551.
(43)- المصدر نفسه ، ص165-166.
(44)- نازك الملائكة: قرارة الموجة، مج2، ص321.
(45)- نازك الملائكة: شجرة القمر، مج2، ص497.
(46)- المصدر نفسه ، ص499.
(47)- المصدر نفسه ، ص571.