قراءة الشعر وانفتاح أفق الدلالة قصيدة لعنة بُرومثيوس* لجَبرا إبراهيم جَبرا**أنموذجا
Résumé
"من أيّ شاعر إلى أيّ قارئ"
جَبرا إبراهيم جَبرا: المجموعة الشعرية ص17.
يوجد في القراءة النقدية تعامل حميم نحو وضع النص سواء كان شعرا أو نثرا في مهب الجماليات البالغة التنوع لدى القارئ النموذجي المفترض بوصفه كائناً متذوقا بامتياز، وعندما لا يتوقف هذا الأخير عند حدود التفسير المتوقع للنص فإنما هو يرشح نفسه لاكتشافه من شرفة تجربته الخاصة، ويكون مستعداً لأن يتحرر من التقليد النقدي(1)، واهبا نفسه إلى حريات التأويل وجمالياته التي تتجاوز التخوم وتستعصي على الوصف والتوقع، ولأن التأويل هو ما يمنح النص طبيعته المنطوية على لا نهائيات المعنى التي تتجاوز الحدود، والمعنى ليس سوى التفسير المباشر للنص، لا يمكننا إغفال عنصر ضروري لابد من ذكره وعدم إسقاطه ألا وهو الذات المبدعة، كون "الإبدال ليس مجرد استجابة لشرائط خارجية ولا انبثاقا حتميا عنها ولا نسقا للانتظارات، إنه فعل الذات الكاتبة"(2)، وهذا الفعل مرتبط بالقصدية L'intentionnalité التي تعد من أبرز مقوّمات النص الحاملة لـ "قواعد التعرف المتضمنة في المعنى المقصود"(3) لماذا؟ لأن كل مبدع لديه غاية محددة في إبداعه يسعى بكل جهد لبلوغها ،وتبليغها إلى متلقيه من أجل توصيل رسالته بوضوح، فهو "لا يتكلم إلاَّ إذا كان لكلامه قصد"(4)، ونحن لا نستطيع أن نعتبر أو نكتشف قصديته إذا لم نذهب به إلى آفاق التأويل للوصول بمخيلة القراء والمتلقين إلى العوالم والدلالات غير المتوقعة والتي تشكل الاختراق الجمالي في التعبير الأدبي الشعري، لتكون القصدية من جهة القارئ الضمني هي "الحكم على القيمة الأخلاقية لعمل ما"(5)؛ وهذا معناه أخذ النية التي أملت على الشاعر الملتزم بقضايا أمته القيام بكتابة ما يكتبه بعين الاعتبار، لأنه تحقق وتجسد بتظافر عاملين اثنين هما: "النية (العزم) وتنفيذ هذه النية"(6) متوجها بها إلى الآخر (الواقع)، وبعودته إلى الذات المبدعة التي لبى رغبتها بجعل إبداعها قصدا واعيا ومُدْرَكًا يتمثل فيه كذات مشاركة ومحاورة تراعي حاجة المجتمع والواقع.
Références
(2)- محمد بنيس: الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها، الجزء الرابع: مساءلة الحداثة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ط2، 2001، ص141.
(3)-بول ريكور: نظرية التأويل، الخطاب وفائض المعنى، تر: سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط2، 2006، ص48.
(4)- محمد الأخضر الصبيحي: مدخل إلى علم النص ومجالات تطبيقه، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2008، ص96.
(5)- أندريه لالاند: موسوعة لالاند الفلسفية، تر:ـ خليل أحمد خليل، المجلد الثاني، منشورات عويدات، بيروت، باريس، ط2، 2001، ص692.
(6)- محمد الأخضر الصبيحي: مدخل إلى علم النص ومجالات تطبيقه ، مرجع سبق ذكره، ص97.
(7)-جبرا إبراهيم جبرا: المجموعة الشعرية الكاملة، رياض الريس للكتب والنشر، لندن، بريطانيا، ط1، 1990، ص152.
(8)-هذه القصيدة بالذات كتبت سنة 1960، خصيصا عن الشعب الجزائري ومعاناته، وعن الثورة الجزائرية نصرة وافتخارا وتفاؤلا بقرب تحقيق الهدف النهائي ألا وهو النصر وهزيمة المحتل الفرنسي؛ أي بعد مرور ست سنوات على اندلاعها ومطلعها يؤكد ذلك.
(9)-صيرورة الكتابة هنا يقصد بها الانتظام الذي يعمل على نقل علاقة إرادة الاستعمال بالموضوع المطروح من مجال التصور إلى مجال التحقق، لتتخذ بذلك طابعا دلاليا.
(10)-فولغفانغ إيزر: فعل القراءة، نظرية جمالية التجاوب في الأدب، تر: حميد لحميداني، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء المغرب، ص79.
(11)-عبد السلام بنعبد العالي: ضد الراهن، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2005، ص67.
(12)-أرشيبالد مكليش: الشعر والتجربة، تر: سلمى الخضراء الجيوسي، دار اليقظة العربية، بيروت، 1963، ص21.
(13)-الديوان: ص 152.
(14)-رولان بارت: التحليل النصي، تر: عبد الكبير الشرقاوي، دار التكوين، دمشق، سوريا، 2009، ص13.
(15)-الديوان: ص 152.
(16)-الديوان: ص ص 152، 153.
(17)-يرجى الرجوع إلى الديوان، الصفحات: 153 / 154 / 155.
(18)-محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري، استراتيجية التناص، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط3، 1992، ص123.
(19)-صلاح فضل: قراءة الصورة وصور القراءة، دار الشروق، القاهرة، مصر، ط1، 1997، ص06.
(20)-الديوان: ص 155.
(21)-الديوان: ص ص 155، 156.
(22)-الديوان: ص154.
(23)-الديوان: ص156.
(24)-أمبرتو إيكو: السيميائية وفلسفة اللغة، تر: أحمد الصمعي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان، ط1، 2005، ص119.